سورة السجدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{الم تَنزيلُ الْكِتَابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} قال مقاتل: لا شك فيه أنه تنزيل من رب العالمين. {أَمْ يَقُولُونَ} بل يقولون {افْتَرَاهُ} وقيل الميم صلة، أي: أيقولون افتراه؟ استفهام توبيخ. وقيل: {أم} بمعنى الواو، أي: ويقولون افتراه. وقيل: فيه إضمار، مجازه فهل يؤمنون، أم يقولون افتراه، ثم قال: {بَلْ هُوَ} يعني القرآن، {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ} أي: لم يأتهم، {مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ} قال قتادة: كانوا أمة أمية لم يأتهم نذير قبل محمد صلى الله عليه وسلم. وقال ابن عباس، ومقاتل: ذلك في الفترة التي كانت بين عيسى ومحمد صلوات الله عليهما {لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ} {اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا شَفِيعٍ أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ}.


{يُدَبِّرُ الأمْرَ} أي: يحكم الأمر وينزل القضاء والقدر، {مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأرْضِ} وقيل: ينزل الوحي مع جبريل من السماء إلى الأرض، {ثُمَّ يَعْرُجُ} يصعد، {إِلَيْهِ} جبريل بالأمر، {فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ} أي: في يوم واحد من أيام الدنيا وقدر مسيرة ألف سنة، خمسمائة نزوله، وخسمائة صعوده، لأن ما بين السماء والأرض خمسمائة عام، يقول: لو سار فيه أحد من بني آدم لم يقطعه إلا في ألف سنة، والملائكة يقطعون في يوم واحد، هذا في وصف عروج الملك من الأرض إلى السماء، وأما قوله: {تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة} [المعارج- 4]، أراد مدة المسافة بين الأرض إلى سدرة المنتهى التي هي مقام جبريل، يسير جبريل والملائكة الذين معه من أهل مقامه مسيرة خمسين ألف سنة في يوم واحد من أيام الدنيا. هذا كله معنى قول مجاهد والضحاك وقوله: {إليه} أي: إلى الله. وقيل: على هذا التأويل، أي: إلى مكان الملك الذي أمره الله عز وجل أن يعرج إليه.
وقال بعضهم: ألف سنة وخمسون ألف سنة كلها في القيامة، يكون على بعضهم أطول وعلى بعضهم أقصر، معناه: يدبر الأمر من السماء إلى الأرض مدة أيام الدنيا، ثم يعرج أي: يرجع الأمر والتدبير إليه بعد فناء الدنيا، وانقطاع أمر الأمراء وحكم الحكام في يوم كان مقداره ألف سنة، وهو يوم القيامة، وأما قوله: {خمسين ألف سنة} فإنه أراد على الكافر يجعل الله ذلك اليوم عليه مقدار خمسين ألف سنة، وعلى المؤمن دون ذلك حتى جاء في الحديث: «أنه يكون على المؤمن كقدر صلاة مكتوبة صلاها في الدنيا». وقال إبراهيم التيمي: لا يكون على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر.
ويجوز أن يكون هذا إخبارًا عن شدته وهوله ومشقته. وقال ابن أبي مليكة: دخلت أنا وعبد الله بن فيروز مولى عثمان بن عفان على ابن عباس فسأله ابن فيروز عن هذه الآية وعن قوله خمسين ألف سنة؟ فقال له ابن عباس: أيام سماها الله لا أدري ما هي وأكره أن أقول في كتاب الله ما لا أعلم.


{ذَلِكَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} يعني: ذلك الذي صنع ما ذكره من خلق السموات والأرض عالم ما غاب عن الخلق وما حضر، {الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} قرأ نافع وأهل الكوفة: {خلَقه} بفتح اللام على الفعل وقرأ الآخرون بسكونها، أي: أحسنَ خلْقَ كل شيء، قال ابن عباس: أتقنه وأحكمه. قال قتادة: حسَّنه. وقال مقاتل: علم كيف يخلق كل شيء، من قولك: فلان يحسن كذا إذا كان يعلمه. وقيل: خلق كل حيوان على صورته لم يخلق البعض على صورة البعض، فكل حيوان كامل في خلقه حسن، وكل عضو من أعضائه مقدر بما يصلح به معاشه. {وَبَدَأَ خَلْقَ الإنْسَانِ مِنْ طِينٍ} يعني آدم. {ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ} يعني ذريته، {مِنْ سُلالَةٍ} نطفة، سميت سلالة لأنها تسل من الإنسان {مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} أي: ضعيف وهو نطفة الرجل. {ثُمَّ سَوَّاهُ} ثم سوى خلقه، {وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ} ثم عاد إلى ذريته، فقال: {وَجَعَلَ لَكُمْ} بعد أن كنتم نطفا، {السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ قَلِيلا مَا تَشْكُرُونَ} يعني: لا تشكرون ربَّ هذه النعم فتوحدونه. {وَقَالُوا} يعني منكري البعث، {أَئِذَا ضَلَلْنَا} هلكنا، {فِي الأرْضِ} وصرنا ترابا، وأصله من قولهم: ضل الماء في اللبن إذا ذهب، {أَئِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ} استفهام إنكار. قال الله عز وجل: {بَلْ هُمْ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ كَافِرُونَ} أي: بالبعث بعد الموت.

1 | 2 | 3 | 4